هواري بومدين سيرة ومسيرة خالدة في صفحات تاريخ الجزائر

بقلم الدكتور سفيان عابد ـ مختص في تاريخ أفريقيا ـ جامعة الجزائر 2
تمر علينا، الذكرى الـ44 لرحيل الرئيس هواري بومدين الذي توفي في 27 ديسمبر 1978، بعد محطات ثورية وقيادية ورئاسية حافلة بالبطولات والإنجازات . هي محطات مضيئة أدخلت ثاني رئيس للجزائر التاريخ من أوسع أبوابه، وأبقته في قلوب ملايين الجزائريين، في عهده تغير كل شيء في الجزائر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودبلوماسياً، انتقلت معه الجزائر من دولة حديثة الاستقلال تصارع من أجل البقاء إلى دولة فاعلة إقليمياً ودولياً. شخصيته سحرت وألهمت الجزائريين بكاريزما ثورية وسياسية وقومية صارمة ، فقد استبقت أفعاله أقواله التي ظلت خالدة، بعد أن كان أول رئيس جزائري يرسخ مبدأ أن “الدولة لا تزول بزوال الرجال”. وكان من أبرزها أيضا “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”. … وعليه، يحق للجزائريين الافتخار بماضيهم ،في وقت كان يُحسب للجزائر ألف حساب بفضل دبلوماسيتها القوية، إذ لعبت الدبلوماسية الجزائرية في عهده دورا كبيرا هواري بومدين هو ثاني رئيس في تاريخ الجزائر المستقلة، ولد في 23 أوت 1932، واسمه الحقيقي “محمد إبراهيم بوخروبة”،لعائلة ريفية متواضعة الحال بقرية بني عدي قرب جبل هوارة، على بعد 15 كيلومترا من مدينة قالمة بالجزائر. التحق بصفوف جيش التحرير الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي مباشرة بعد اندلاع الثورة في 1 نوفمبر1954م. تلقى تدريبه العسكري في مصر، قبل أن يصبح أول قائد لأركان الجيش الجزائري عام 1958، ثم أول وزير للدفاع غداة استقلال الجزائر 1965، ثم نائباً للمجلس الثوري في عهد أول رئيس وهو أحمد بن بلة. وعلى هذا الأساس، قاد بعدها هواري بومدين ثورة سياسية وصناعية واقتصادية وزراعية، سميت حينها بـ”الثورة الزراعية” عندما قام بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين وأسس آلاف القرى الفلاحية.كما اتخذ عدة قرارات جريئة أبرزها تأميم المحروقات عام 1972، وتبنى الاشتراكية نهجاً اقتصادياً، أنشأ خلالها مصانع ثقيلة ساهمت في تقليص فاتورة البلاد من الاستيراد، وفتحت أسواقاً جديدة لها في عدة دول أفريقية وعربية. فعلى الصعيد الدبلوماسي، سجلت الجزائر عصرها الذهبي في فترة حكمه، تبنى خلالها قضايا تصفية الاستعمار، واستضافت الجزائر قمة عدم الانحياز عام 1974 وقمة منظمة أوبك عام 1975.كماأعطى اللغة العربية مكانتها الحقيقية في الجزائر، كماكشف الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في تلك الفترة أن دور الجزائر في حرب أكتوبر كان أساسيا وقد عاش بومدين ومعه كل الشعب الجزائري تلك الحرب بكل جوارحه، وشاركت جميع الدول العربية تقريبا في حرب 1973 طبقا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك. وفي هذا الشأن شاركت الجزائر في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية بالفوج الثامن للمشاة الميكانيكية ، و كان الزعيم هواري بومدين قد طلب من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين وفتح حساب بنكي واقناعهم بالتعجيل بإرسال السلاح. لقد تبنت الجزائر في عهده، مبدئ حق الشعوب في تقرير مصيرها انطلاقا من مواثيق الثورة التحريرية، و بقيت وفية لها بعد الاستقلال و استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962، و بذلك كان دعم الجزائر للحركات التحررية في افريقيا امتداد للنضال المسلح الذي خاضته ضد الامبريالية الفرنسية. و كان للدبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال الدور الكبير في اسماع صوت افريقيا ومنها في فترة الراحل هواري بومدين الذي استطاع هيكلة هذه الدبلوماسية ووضعها في خدمة القضايا الافريقية، و اصبح صوت الجزائر مسموعا في المحافل الدولية، ما اكسبها مكانة الريادة او الزعامة على دول العالم الثالث، واصبحت قوة لها وزنها على الساحة الدولية. ناضلت الجزائر من اجل دعم الحركات التحررية الوطنية الافريقية في اطار المنظمات الدولية لاسيما منظمة الوحدة الإفريقية، كما ساهمت هذه الدبلوماسية مساهمة فعالة في جعل القانون الدولي يعترف لحركات التحرر الافريقية بحقها في التمتع بشخصية قانونية و بحقوقها و التخلص من قيود التبعية واسترجاع الاستقلال الاقتصادي.