كل الظروف ملائمة لقيام قطب عربي … على الأقل على الصعيد الاقتصادي
الدكتورة آسيا قبلي باحثة في الدراسات الاستراتيجية في حوار ل" المستقبل المغاربي

ركزت الإعلامية والدكتورة آسيا قبلي الباحثة في الدراسات الاستراتيجية في حوار للمستقبل المغاربي على مسألة القطبية الدولية وقالت أن كل الظروف ملائمة لقيام قطب عربي مشيرة إلى الانتباه إلى المصالح الوطنية والوعي بضرورة توحيد الرؤى، على الصعيد الاقتصادي على الأقل هو خطوة نحو تشكيل قطب عربي.
حاورها: السعيد حمزة نذير
………….
بداية دكتورة مرحبا بك في هذا الحوار لجريدة المستقبل المغاربي .. سؤالي الأول إعلامي ؛ كيف تقيمين التغطية الإعلامية للصحف الوطنية لهذا الحدث؟
أعتقد ان التغطية جاءت في مستوى الحدث، وتناولت الصحف الوطنية ، المواقع الالكترونية والاعلام الثقيل الحدث المتعلق بانعقاد القمة العربية من كل جوانبه، فغطت آراء الخبراء والمختصين في مختلف المجالات والقضايا التي ستطرح على طاولة نقاش القمة 31 لجامعة الدول العربية.
وأجمعت كل العناوين على أهمية القمة بالنظر على الظرف الدولي السائد وإلى الحاجة الملحة للم الشمل العربي وتوحيد الصف ليكون للوطن العربي ذي الثروات والموقع الجغرافي الهام يد في صنع القرار الدولي.
واعتبرت أن قمة الجزائر فرصة تاريخية للعرب للم الشمل، خاصة وأن الجزائر عزمت على إنجاح الحدث، رغم محاولات العرقلة لتأجيل انعقاد القمة. معلوم أن للإعلام دور كبير في إنجاح أو إفشال حدث أوما، لكن أرى أن تعاطي الإعلام الجزائري مع المناسبة أعطى انطباعا عن جدية المبادرة الجزائرية، وهذا دليل آخر على حظوظ أوفر للنجاح.
دكتورة قبلي .. في خضم هذا السياق الدولي ؛ هل يمكن الحديث عن قطب عربي سياسي واقتصادي فعال؟
يشهد العالم منذ ثلاثة عقود بداية تضعضع القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها قوة عظمى. واتضح ذلك من خلال تعدد الحروب التي خاضتها تحت مسمى” الحرب الشاملة على الإرهاب”، من غزو أفغانستان إلى العدوان على العراق، وصولا لإسقاط النظام في ليبيا، مرورا بما سمي “ثورات الربيع العربي”. وفي هذا الوقت كانت كل من الصين وروسيا تعملان على تقوية نفسيهما داخليا، لتصبحا في أيامنا هذه قوتان منافستان لهما سيادة القرار.
وهذا يعني أننا لم نعد فعليا في عالم أحادي القطبية بدليل قيام روسيا بالدفاع عن أمنها القومي ضد تجاوزات حلف الناتو وإخلاله باتفاق عدم التوسع شرقا. وعدم الاكتراث الروسي بالعقوبات الاقتصادية الغربية. وإفصاح الصين عن موقفها الرافض للأحادية القطبية، وضرورة منح كل الدول الحق في المشاركة في القرار الدولي على قدم المساواة.
أردت من خال هذا التقديم القول إن كل الظروف ملائمة لقيام قطب عربي. فبالإضافة إلى المقومات المشتركة من لغة ودين وتاريخ ومستقبل مشترك علاوة على تواصل الجغرافيا، نجد ظروفا دولية مناسبة، تتمثل في تنافس قطبين اثنين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى. وبالتالي وبدل الوقوف موقف المتفرج يتعين على هذه الدول -التي تملك كل تلك المقومات زيادة على احتوائها على نحو نصف احتياطي العالم من موارد الطاقة- ان تستغل الظرف وصنع لنفسها مكانة تليق بحجمها. حتى تكون لها كلمة في صنع القرار الدولي.
ربما بوادر ذلك بدأت من خلال الموقف الموحد لدول أوبك بلس، بخفض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميا. وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعرضت لضغوط أمريكية وتلويح بعقوبات على اعتبار أنها تحالفت مع روسيا -حسب الزعم الأمريكي- وقالت على لسان سفيرتها لدى الولايات المتحدة الأمريكية، عن مصلحة المملكة تقتضي خفض الإنتاج، وأن من حق بلادها أن تتخذ ما تراه مناسبا لمصلحتها، كما هو الحال بالنسبة لأمريكا. وقبل هذا رفضت رفقة الإمارات طلب أمريكا بزيادة الإنتاج رفع الإنتاج.
وعليه أعتقد أن الانتباه إلى المصالح الوطنية والوعي بضرورة توحيد الرؤى، على الصعيد الاقتصادي على الأقل هو خطوة نحو تشكيل قطب عربي.
تركز أشغال القمة العربية على التركيز على حل القضية الفلسطينية هل قزمنا دور الجامعة في ملف فلسطين؟ في حين تعاني كل الدول العربية أزمات داخلية وإقليمية؟
هذا السؤال مرتبط ارتباطا وثيقا بما قبله. لأن القضية الفلسطينية كانت هي القضية الجامعة لكل الدول العربية ويكفي النظر إلى القمم العربية قبيل بداية ما يسمى الربيع العربي كانت كلها تجمع على مركزية القضية، وعلى وحدة في المواقف إزاء الكيان الصهيوني. وكان الموقف واحدا قبل أن تسقط اللاءات الثلاث “لا صلح لا اعتراف لا تفاوض”، في براثن التطبيع. وتحول الصراع تدريجيا من عربي- إسرائيلي، إلى فلسطيني-إسرائيلي، وصولا إلى انقسام وحدة الصف الفلسطيني.
طبعا هذا التراجع لم يكن وليد الصدفة بل عمل الكيان الصهيوني عليه وفق خطة ومنهج. حيث عمل على عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي. بداية باتفاقية كامب ديفيد التي حيدت مصر بحكم ما كانت تشكله من خطر بفعل القرب الجغرافي. ثم اتفاقات أوسلو السرية التي تفاجأت الجزائر أكبر داعم للقضية من إعلانها. فقلب الأنظمة وإسقاطها في ” ثورات الربيع العربي”. وأخيرا موجة التطبيع التي طالت اربع دول فيما سمي اتفاقات ابراهام. هذه الأحداث جعلت دولا عربية تنصرف إلى الانشغال بالداخل المضطرب. وتراجعت القضية الفلسطينية إلى أولوية ثانوية في عدد من القمم العربية بين 2010 إلى 2019.
وبالتالي تركيز الجزائر على إعادة محورية القضية الفلسطينية إلى نقاشات القمة العربية إنما يصب في قلب الدفع بموقف عربي مشترك من أجل العمل العربي المشترك وتوحيد الصف لمواجهة التحديات التي تسبب فيها زرع جسم غريب في الوطن العربي، ووقف التدخلات الخارجية التي عاثت فسادا في أرض العرب.
ماهي توقعاتك بخصوص الحضور الرسمي للحكام والملوك العرب، وهل يؤثر الملف الصحراوي على حضور الملك المغربي؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال، أرى أنه وبغض النظر عمن سيحظر القمة سواء كان الملك أو الرئيس أو ممثليهم، فإن العبرة بمخرجاتها وبما سيتفق عليه الملتئمون في قصر المؤتمرات اليوم وغدا. وأعتقد ان الجزائر لها من الحنكة الدبلوماسية ما يمكنها من التركيز على القضايا الجامعة ووضع الخلافية منها على جانب. لأنها قمة جاءت بعد انقطاع ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا، وفي ظرف تآكل الإجماع العربي للأسباب المذكورة. وإذا كانت الجزائر قد استطاعت الأوسط وحل العديد من الأزمات المستعصية فإنها الأقدر على توحيد الصف من جديد. بغض النظر كما قلت عن وزن التمثيل الدبلوماسي.
وفيما تعلق بالشق الثاني، وبالنسبة للمغرب فمنذ تطبيع علاقته مع العدو الصهيوني تحولت سياسته الخارجية لعدائية جدا ليس مع دول الجوار فحسب، لكن أيضا مع دول أوروبية منها إسبانيا وألمانيا.
وعلى العموم لا يبدو أن هنالك أي تأثير للقضية الصحراوية على القمة العربية، او على حضور العاهل المغربي إلى الجزائر. وعلى العكس من ذلك، وبما أن شعار القمة هو لم الشمل العربي، فيستشف من ذلك نية الجزائر الحسنة تجاه الجار الغربي، وقد يلتئم الشمل من جديد ويتوقف المغرب عن مضايقاته وخرجاته غير المدروسة التي نعرف جميعا من يقف وراءها ويحرض عليها.
في سؤال أخير دكتورة هل أنت متفائلة من مخرجات وأهم قرارات الزعماء العرب التي ستنبثق من القمة العربية بعيدا عن التنديد والاستنكار؟
كما هو معروف تركز القمة العربية ال31 بالجزائر على ثلاث ملفات ذات أولوية قصوى: ملف الأمن الغذائي الملف الاقتصادي والملف الأمني. حيث بحث المجلس الاجتماعي والاقتصادي للجامعة على المستوى الوزاري 42 بندا، بينها التنمية الزراعية المستدامة ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والرؤية العربية للاقتصاد الرقمي والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وغيرها من البنود. التي يتوقع أن يتم تبنيها لأنها لا تنضوي على قضايا خلافية. وأما سياسيا فيستشف من العنوان المختار للقمة ” لم الشمل العربي”، قد يتوصل المجتمعون إلى حلول توافقية لنبذ الخلافات العربية البينية، التي تشتت الجهود، وتركيزها في مواجهة التحديات الخارجية بدل الاحتراب الداخلي أو البيني. ناهيك عن القضية المركزية وهي القضية الفلسطينية القضية الجامعة لكل الشعوب العربية رغم تطبيع بعض الأنظمة.