
إفتتاحية اليوم..
غزة تختنق تحت الحصار.. المجاعة تطرق الأبواب وصمت العالم جريمة
في قطاع غزة، لم تعد الكارثة بحاجة إلى توصيف، فقد تجاوزت المأساة حدود الإنسانية بكل المقاييس. أكثر من ستة أشهر من الحصار الخانق والدمار الشامل تركت القطاع على حافة مجاعة شاملة، وسط انهيار تام في كافة الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الصحة والغذاء والمياه. الأرقام تتحدث عن نفسها: أكثر من مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وآلاف الأسر بلا مأوى، ومئات الآلاف يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة. في غزة، الحياة لم تعد ممكنة، بل باتت مقاومة الموت اليومي هي التحدي الحقيقي.
سياسة التجويع التي تعتمدها إسرائيل ضد سكان غزة لم تعد مجرد انتهاك، بل تحوّلت إلى سلاح ممنهج يستهدف كسر إرادة الناس وتركيعهم. منع إدخال المواد الغذائية والطبية، إغلاق المعابر، وحرمان السكان من مصادر الطاقة، كل ذلك يجري على مرأى ومسمع من العالم الذي يكتفي بالإدانة اللفظية أو الصمت التام. ومع استمرار الحصار، بدأت تظهر مشاهد غير مسبوقة في القسوة: كتب جامعية تُستخدم حطبًا للطهو، أطفال يُحرمون من اللقاحات، وأمهات لا يجدن ما يسد رمق صغارهن.
تدمير البنية التحتية الصحية والتعليمية عمّق من حجم الكارثة. القصف الإسرائيلي طال الجامعات والمستشفيات، وأتى على مكتبات ومراكز أبحاث كانت تمثل قبسًا من الأمل في بيئة محاصرة. الحملة ضد غزة لم تكتف بسلب الأرواح، بل تسعى إلى محو الذاكرة والمعرفة والبنية المجتمعية. وسط هذا الركام، تصرخ أصوات العشائر والناشطين من قلب غزة، مطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الأرواح، لكن استغاثاتهم تقابل بجدار من التجاهل الدولي والتواطؤ الإقليمي.
المجتمع الدولي، بكل منظماته وهيئاته، مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالخروج من صمته وتحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية. السكوت أمام مجاعة مصطنعة هو شراكة في الجريمة، وغضّ الطرف عن معاناة شعب بأكمله هو إعدام لكل المبادئ الإنسانية. لا يمكن لمنظومة الأمم المتحدة أن تبرر تقاعسها، ولا لهيئات الإغاثة أن تكتفي ببيانات القلق. غزة لا تحتاج بيانات… غزة تحتاج إلى فعل حقيقي.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني الدخول في مرحلة إبادة إنسانية موثقة ومكشوفة. وعليه، فإن الوقت لم يعد في صالح أحد، فالتحرك العاجل لفتح المعابر، وتأمين تدفق المساعدات، وفرض هدنة إنسانية شاملة، لم يعد خيارًا إنسانيًا فحسب، بل ضرورة قصوى لإنقاذ حياة ملايين البشر في غزة، وتجنب وصمة عار ستلاحق كل من وقف متفرجًا على هذا الجحيم المفتوح.