
إفتتاحية اليوم ..
الإعلام الغربي وجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر.. سقوط جدار الصمت
رغم عقود من التعتيم والتبرير، عادت جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر إلى واجهة النقاش في الإعلام الغربي، لتكشف عن حقائق طالما سعت الدوائر الرسمية الفرنسية إلى إنكارها أو التقليل من شأنها. فالتقارير الاستقصائية والمقالات التي تنشرها وسائل إعلام مستقلة أو صحفيون غربيون جريئون باتت تسلط الضوء على الانتهاكات التي ارتُكبت خلال حرب التحرير الوطني، وهو ما يعكس تحولًا تدريجيًا في الخطاب الإعلامي الغربي تجاه التاريخ الاستعماري الفرنسي.
إن نشر تحقيقات تكشف أساليب التعذيب والاغتيالات الممنهجة التي نفذها الجيش الفرنسي، كما جاء في تقرير “ستريت برس” الأخير، يمثل تحديًا للسردية الرسمية الفرنسية التي لطالما حاولت تصوير الاستعمار على أنه “رسالة حضارية”. هذه التقارير لا تقتصر على إعادة إحياء شهادات الضحايا، بل تمتد إلى اعترافات بعض المسؤولين العسكريين الذين أقروا بممارسة التعذيب كسياسة ممنهجة، مما يضرب في العمق الرواية التي حاولت السلطات الفرنسية الترويج لها لعقود.
ورغم أن هذه الاعترافات قد تكون متأخرة، فإنها تكشف عن تصدع جدار الصمت الذي فرضه الإعلام الفرنسي الرسمي على مدى سنوات. فالمقارنات التي أجراها بعض الصحفيين الفرنسيين بين المجازر التي ارتكبتها النازية في أوروبا والجرائم الاستعمارية في الجزائر تعكس تحولًا في نظرة بعض النخب الفكرية الغربية إلى التاريخ الاستعماري، رغم أن هذا الطرح لا يزال يثير جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية.
هذا الاهتمام المتزايد من الإعلام الغربي بملف الاستعمار الفرنسي في الجزائر يمثل انتصارًا للحقيقة رغم محاولات الطمس والتجاهل. فالتعتيم الإعلامي الذي مارسته فرنسا لم يكن فقط تجاهلاً لتاريخها الدموي، بل كان أيضًا استراتيجية سياسية تهدف إلى تبرئة نفسها من مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها. لكن مع تزايد الضغوط الحقوقية والتطور التكنولوجي الذي جعل من الصعب احتكار السردية التاريخية، باتت هذه الحقائق تفرض نفسها بقوة على الرأي العام.
إن استمرار كشف هذه الجرائم في الإعلام الغربي لا يشكل فقط إدانة أخلاقية للممارسات الاستعمارية، بل يضع فرنسا أمام مسؤولية تاريخية لم تعد قابلة للتجاهل. فالحقيقة، مهما طال التعتيم عليها، تجد دائمًا طريقها إلى الظهور، لتؤكد أن التاريخ يُكتب في النهاية بأصوات من رفضوا الصمت، لا بمن سعى لطمسه.