خبراء المستقبل المغاربي

ماذا تحتــــــاج جزائـــــــــــــــر 60 مليـــــــون نسمة !

-مقاربة إقتصاديــــــــــــــة و إجتماعيـــــــــــــة –

 

بقلم الدكتور إسحاق خرشي مدير المدرسة العاليا للتجارة

الخصائص الديموغرافية تفرض إكراهات و تتطلب إستشرافات

تتميز الجزائر بخاصيتين ديموغرافيتين أولها سرعة النمو في عدد السكان و ثانيتها أن أغلب سكانها من الشباب. فبالنسبة للسرعة نمو عدد السكان فقد إرتفع من 34.5 مليون نسمة سنة 2008 الى 46.5 مليون نسمة في سنة 2023، أي بزيادة قدرها 12 مليون نسمة خلال 15 سنة، و يرجع هذا الى الزيادة الكبيرة في عدد المواليد الجدد و الذين يقدر عددهم بحوالي 1 مليون رضيع إضافي سنويا.

كما تتميز الجزائر بكون أن أغلبية سكانها شباب، و لا تزال نسبة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة مرتفعة، إذ تمثل 51% من إجمالي الكثافة السكانية في سنة 2023 أي 23.8 مليون نسمة و هذا ما يخلق العديد من التحديات.

كما تتميز الجزائر حاليا بخاصية ديموغرافية تخلق العديد من التحديات الحالية و المستقبلية، بحيث أن عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة قد سجل ارتفاعا من 28.5% سنة 2008 الى 30.4% في سنة 2023. أما بالنسبة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم فوق 60 سنة فهي تزداد بسرعة أكبر لتبلغ 10.6% سنة 2023 مقارنة بـ 7.4%  سنة 2008، و في نفس الوقت شهد عدد السكان في سن العمل (15- 59 سنة) إنخفاضا من 64.4% الى 59%  خلال نفس الفترة.

ما يمكن ملاحظته أن بعض الخصائص الديموغرافية تفرض إكراهات وجب مواجهتها و معالجتها، فعلى سبيل المثال، يمثل إنخفاض نسبة الفئة الشغيلة و التي يتراوح أعمارهم بين 15 و 59 سنة مع زيادة الأشخاص المعالين و إرتفاع نسبة الإعالة من 55% سنة 2008 الى 70% سنة 2023، و بمعنى اخر أنه يتعين على 100 عامل أن يعيلو 70 شخص. لذلك نحن نرى أن هناك ضغط متزايد على الفئة النشطة من السكان بسبب الشيخوخة التدريجية للسكان و إستمرار إرتفاع المواليد و هذا ما يفرض تحديات كبرى تفرض على السياسات العمومية.

لذلك يتطلب الأمر القيام بإستثمارات كبرى في مجال الصحة لاسيما في ظل التحدي المتمثل في التطعيم و مكافحة الأمراض المزمنة المرتبطة بالشيخوخة، إضافة إلى تعزيز التعليم بإعتباره مهم جدا للأجيال الشابة، كما ستكون الإصلاحات الجذرية لأنظمة التقاعد و الإسكان و المنح المختلفة ضرورية لمواجهة العبئ المتزايد لفئة المسنين.

 

الرهانات الإجتماعية الحالية و المستقبلية 

تتمثل أكبر الرهانات الإجتماعية الحالية و المستقبلية في كل من التركيبة السكانية و التشغيل، الحماية الإجتماعية، التعليم و الصحة.

التركيبــــة السكانيـــــة وفرص العمـــــل

الاعتماد على الكفاءات الشابة

 يمثل تفوق نسبة الشباب بين الجزائريين فرصة ينبغي إغتنامها في أقرب وقت كقوة في العمل الاقتصادي، خاصة وأن نسبة الذين هم في سن العمل هي في انخفاض مستمر. وللإستفادة بشكل أكثر فعالية من الميزة الديموغرافية، فإنه من الضروري الإستثمار بشكل كامل في هذه الإمكانات العمالية وعليه ينبغي أن يولى إهتمام خاص لإدماج المرأة في العمل.

تعزيز توظيف العنصر النسوي

إذ يجب إتخاذ تدابير إضافية لتسهيل وصول المرأة إلى سوق العمل وتعزيز مشاركتهن في النمو الاقتصادي للبلاد، إنه من الضروري تعزيز الآليات التشغيلية التي تهدف إلى تسهيل ادماج المرأة في العمل وريادة الأعمال النسائية بما في ذلك تطوير خدمات الدعم المناسبة.

 

التكفل بالعدد الكبير للمواليد الأحياء سنويا

 يشكل العدد السنوي الكبير من حديثي الولادة تحديا كبيرا فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الاجتماعية لهذه الفئة من السكان. وهذا ما يشكل ضغط سنوي كبير على القطاع الصحي لمراقبة الأمهات وحديثي الولادة، وفي الوقت نفسه، يجب على النظام التعليمي بذل جهود كبيرة لاستيعاب جميع الأطفال في سن التمدرس وضمان حصولهم على التعليم المناسب. كما يساهم حجم المواليد هذا في زيادة نسبة الاتكال الديموغرافي، مما يشير إلى وجود ضغط اقتصادي قوي على القوى العاملة.

الحمايـــــــة الاجتماعيـــــــــــة

تحضير ترتيبات خاصة لفئة الأطفال وكبار السن

 تتطلب زيادة نسبة الأطفال وكبار السن تعزيز التكفل في مجالات الصحة والتعليم والشغل والسكن للأطفال، والتخطيط للتكاليف المتعلقة بالرعاية الصحية ومنحة التقاعد للكبار في السن. وعليه يتطلب الأمر استثمارات كبيرة في البنية التحتية المناسبة وبرمجة النفقات الإضافية من قبل الدولة بشكل فوري.

ضمان بقاء نظام الضمان الاجتماعي

 ففي ظل زيادة عدد كبار السن و إرتفاع تكاليف الرعاية الصحية، خاصة بالنسبة للمصابين بالأمراض المزمنة، فإنه من الضروري أن نجد بدائل تمويل مستدامة من أجل الحفاظ على مستوى مناسب من الإعانات بالنسبة لجميع السكان. وعليه يتطلب ذلك تفكيرا عميقا يشمل جميع الأطراف المعنية، لوضع نموذج مستدام يضمن التضامن بين الأجيال وامكانية الحصول على الخدمات الاجتماعية.

توسيع نطاق التغطية الاجتماعية

 يمثل إيجاد طرق فعالة لجذب عمال القطاع غير الرسمي إلى نظام الحماية الاجتماعية تحديا كبيرا لتوسيع قاعدة المنتسبين وضمان التغطية للجميع. إذ يتعين بشكل خاص تصميم حوافز وبرامج ملائمة لهذه الفئة، من خلال تبسيط إجراءات الانضمام وتوفير مساهمات معقولة.

 

 

 

 التعليـــــــــــــــم

منع التسرب المدرسي في وقت مبكر

 يجب دعم الجهود المبذولة لتحسين معدلات النجاح المدرسي وجودة التعليم، لا سيما في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة، والتي تعد إنجازاتها ضرورية لبقية المسار الدراسي، من خلال نظام مراقبة دائم لتوقع حالات التسرب من المدرسة. وعليه تتطلب هذه المشكلة إهتمامًا مستمرًا من أجل تمكين جميع التلاميذ من الإستفادة من المهارات المعرفية الأساسية لحياتهم المستقبلية والشخصية والمهنية.

تعد مسألة إدماج الخريجين في سوق العمل إحدى التحديات الرئيسية

 ويتطلب هذا الموضوع تعزيز آليات فتح الجامعة والتكوين المهني على عالم الشغل من الضروري مواصلة الجهود الرامية إلى تكييف البرامج الجامعية مع المتطلبات الحقيقية لسوق الشغل والتنبؤ بها، من أجل ضمان التوافق بين الكفاءات المكتسبة والاحتياجات الجديدة للمشغلين. وفي الوقت نفسه، ينبغي تنويع آليات استيعاب الخريجين من خلال تطوير نظام بيني ريادي مخصص لإنشاء ودعم المؤسسات الناشئة داخل الجامعات ذاتها من شأن هذا النهج المبتكر، الذي هو قيد التنفيذ اليوم، أن يحفز روح المبادرة لدى الخريجين الشباب وأن يعزز إدماجهم المهني من خلال طريق ريادة الأعمال.

 

الصحــــــــــــــــــة

تعزيز آليات الوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية

 تشكل مكافحة الانتشار المتزايد للأمراض المزمنة غير المعدية، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، رهانا كبيرا للصحة العمومية وعلى عكس الأمراض المعدية، فإن هذه الأمراض طويلة الأمد تنتج بشكل رئيسي عن عوامل سلوكية قابلة للتعديل، إلى جانب العوامل الوراثية، مثل النظام الغذائي غير الصحي والتدخين وقلة النشاط البدني وتعاطي المخدرات. لذلك، فإن اعتماد سياسة وقائية حقيقية، شاملة ومنسقة من قبل جميع القطاعات المعنية (الصحة والاتصال والشباب والرياضة، والتجارة، إلخ)، أمر ضروري للحد من انتشار هذه الأمراض.

تحسين نظام الرعاية الصحية المنزلية

 مع تزايد نسبة المسنين وانتشار الأمراض المزمنة في جميع الفئات العمرية، بات من الضروري تعزيز نظام الرعاية الصحية المنزلية، لاسيما لمرضى السرطان وأمراض التنكس العصبي مثل مرض الزهايمر، رعاية خاصة يومية، والتي لا يمكن توفيرها إلا من خلال تعزيز الرعاية الصحية المنزلية.

 

الرهانات الاقتصادية الحالية و المستقبلية:

 

الوصول الى 400 مليار دولار ناتج داخلي خام الموجهة الى 50 مليون جزائري

فإذا كان من المهم تسجيل 7600 مشروع إستثماري على مستوى الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، فإنه من الأهم أن تدخل هذه الإستثمارات حيز الإستغلال بغية المساهمة في رفع الإنتاج الوطني و الناتج الداخلي الخام استجابة لزيادة الطلب الناجم عن ارتفاع الكثافة السكانية في الجزائر.

الأمن المائي و الغذائي و الطاقوي و الصحي استجابة للكثافة السكانية المتزايدة

 تحتاج الجزائر الجديدة المنتصرة كميات كبيرة من المياه، بالنظر الى زيادة الكثافة السكانية بمعدل مليون رضيع كل سنة، كما تحتاج الاستثمارات المتوقع اطلاقها الى كميات ضخمة من المياه مثل مناجم غار جبيلات و الفوسفات و الزنك، لذلك يصبح من الضروري تسليم المحطات الخمس الكبيرة لتحلية مياه البحر، إضافة إلى إكمال البرامج التنموية للولايات المعنية. في نفس الوقت تتطلب الكثافة السكانية المتزايدة و الاستثمارات الواعدة كميات كبيرة من الطاقة و بالأخص الغاز للإستهلاك المنزلي و الصناعي، دون أن ننسى ضرورة ضمان الأمن الصحي خاصة للأطفال الأقل من 15 سنة و المتقدمين في السن أكبر من 59 سنة.

توفير العمل

إن قطاع الصناعة يمثل سوق مستقبلي كبير بالنظر إلى الفرص التي يقدمها للمستثمرين، بدليل تسجيل الوكالة الوطنية لترقية الإستثمار 9000 مشروع إستثماري مسجل بين الفترة ديسمبر 2022 و سبتمبر 2024 موزعة على العديد من الفروع الصناعية بمختلف أنواعها. فإذا كان من المهم تسجيل 9000 مشروع إستثماري على مستوى الوكالة الوطنية لترقية الإستثمار، فإنه من الأهم أن تدخل هذه الإستثمارات حيز الإستغلال بغية توفير فرص العمل خاصة لفئة الشباب.

و بالنظر إلى إمكانيات النمو الكبيرة التي يمتلكها القطاع الفتي و المتعلق بالشركات الناشئة و إقتصاد المعرفة، و إلى التحفيزات التي تقدمها الدولة الجزائرية، و طموح و رغبة السواعد الجزائرية في الإرتقاء بإقتصاد بلادهم، فإنه يجب التعويل عليه ليصبح مساهم في توفير فرص العمل.

تخفيف الضغط على الفئة الشغيلة و تحسين جودة الاعالة:

 يعمل السيد الرئيس على رفع الأجور و على فترات زمنية مختلفة في العهدة الرئاسية الثانية لتصل 53% ما يجعل الأجور تتضاعف خلال فترة زمنية قصيرة. إن رفع القدرة الشرائية للمواطن يسهم بشكل مباشر و فعال تخفيف الضغط على الفئة الشغيلة و تحسين جودة الإعالة.

زر الذهاب إلى الأعلى